8‏/1‏/2015

عهد "الأرثوذكس السياسي


انتهينا إذن أو كدنا ننتهي من كابوس الإسلام السياسي، وإستغلال الإسلام كواجهة للحكم والسيطرة وفرض الرأي، وتبرير أخطاء الحاكم بأمرالله، انتهينا أو كدنا ننتهي من حديث كل شيوخ وخطباء الجوامع والزوايا وقنوات التحريض عن مؤامرة الغرب العلماني ضد المشروع الإسلامي، وعن إستغلال أمريكا وأوربا لشباب الثورة و6إبريل والبرادعي لمحاربة شرع الله الذي جاء مرسي وجماعته واتباعهم لتطبيقه في الأرض.

انتهينا إذن، لنبدأ اليوم عهداً جديداً سعيداً رغيداً، يبزغ فيه فجر الأرثوذكس السياسي، بقيادة البابا والأنبا والأسقف والقسيس، والذين بعثهم الله لمصر بعد قرون من السبات والرقاد ودفن الرؤوس في الرمال، بدعوي إتباع تعاليم "الرب يسوع" حين قال ""أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله." (متى21:22)، وقوله ايضاً : "رُدّ سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون السيف، بالسيف يهلكون." (متى52:26).

كانت تلك التعاليم المقدسة فرضاً علي رقاب كل رجال الكنيسة منذ الأزل، مهما تعرضت وتعرضوا لمصائب أو مِحن، إلا أنه ومن الواضح مؤخراً وكما قال الأنبا بولا فإن الله قد بعث إليهم وإلي مصر والعالم روح المسيح متجسدة من جديد، في رئيس مصر عبدالفتاح السيسي -قدس الله روحه- ليعلن تعاليماً جديدة تنسخ ماقد سبق.

فها نحن ومنذ سقط حكم الإخوان وتوزعوا هم وكل من ساندوهم من رموز مشروع الإسلام السياسي علي السجون والمعتقلات والدول الحاضنة لهم، نري كل يوم قسيساً يخرج ليُنظر في الشأن السياسي، فيُثني ويمدح في ثورة 30 يونية، ويتجاهل في أحسن الأحوال الحديث عن ثورة 25 يناير البائسة.

يخرج رموز الكنيسة القبطية في مصر مؤخراً ليحللوا الوضع السياسي وليضعوا شروطاً لعودة الإخوان المسلمين إلي الحياة السياسية والإجتماعية في مصر، وليبرروا جرائم أرتكبت في حق ابناء الكنيسة في مذبحة شاهدها العالم أجمع بيد المؤسسة العسكرية وبتحريض كامل من الإسلاميين وبعض رموز إعلام الرئيس الملهم حالياً وقتها، بدعوي أنها حدث قيد التحقيق.

وهاهي مجموعة من القنوات المسيحية المتزنة، الملتزمة، نراها تبث يومياً، ويظهر عليها العشرات من المحللين السياسيين، المعتدلين، والذي يري بعضهم أن هزيمة الإسلام السياسي أكبر دليل علي فساد الرسالة المحمدية، وأن طريق الكنيسة مفتوح لكل مسلمي مصر الذين يريدون أن يتوبوا وينوبوا ويرجعوا، يأتي ذلك بينما أغلقت بالضبة والمفتاح كل القنوات الدينية التابعة لتيارات الإسلام السياسي، والتي كانت سبباً رئيسياً من اسباب سقوطه السريع والمريع.

لم يبق للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر إلا أن تعلن عن إنشاء أول حزب مسيحي مصري، ولا اعتقد ان اختيار اسمه سوف يكون صعباً، فلديهم قاموس من الاسماء المناسبة يستطيعون الإختيار منها مثل "النور-الحرية والعدالة-الوسط-العدالة والتنمية-مصر القبطية".

ومن عجائب الأرثوذكس السياسي المعاصر، انك تري كل قيادات الكنيسة الحالية بلا إستثناء، مُجْمعُون علي الإصطفاف خلف القيادة السياسية الحكيمة حالياً، رغم أن رأسها كان عضواً أساسياً فاعلاً ومبرراً لأكبر مذبحة رسمية بحق الاقباط طوال تاريخ مصر منذ دخول الإسلام فيها، وحتي الآن، وهي مذبحة "ماسبيرو"، وهُمْ هُمْ نفس قيادات الكنيسة، الذين كانوا لا يمانعون في خروج الآلاف من أقباط مصر في مظاهرات شبه يومية ضد الرئيس المعزول والذي كان "لابيهش ولا بينش".

اتفهم جيداً حجم ماعاناه أقباط مصر وكنيستهم من تهديد ووعيد، خلال أسوأ عام في تاريخ المجتمع المصري المعاصر، وهو عام حكم الإخوان، والذي اصبح كل شارع وكل حارة بل وكل بيت فيه يحوي عشرات التصنيفات والتقسيمات السياسية والطائفية داخله، وذلك بفضل عقم وغباء فكر من كانوا يحكمون ومن كانوا يساندونهم، لكنني لا أتفهم ولا أستوعب، ما الذي يدفع اسقف الكنيسة الأكثر إتزاناً في العالم منذ نشأتها، وحتي وقت قريب، إلي لبس عباءة مرشد جماعة الإخوان المسلمين.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق